الرئيسية درس حول الالكترونيات- مقدمة-
الالكترونيات

مقدمة


إن التقدم المذهل الذي تشهده البشرية اليوم في جميع المجالات التقنية والمعرفية لم يكن ليتحقق لولا ظهور علم الإلكترونيات في مطلع القرن العشرين. ففي نفس العام الذي كان يعمل فيه الأخوان رايت على تصنيع أول طائرة في تاريخ البشرية وهو عام 1904م كان عالم الفيزياء الإنجليزي فليمنغ يعمل في مختبره المتواضع على تصنيع أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء بحجم الإصبع يحتوي عند طرفيه قطبين معدنيين بحيث يسمح للتيار بالمرور في اتجاه واحد فقط. لقد كان الأثر الذي تركه أنبوب فليمنغ على رفاهية البشر في هذا العصر لا يقل أهمية إن لم يزد عن الأثر الذي تركته طائرة الأخوين رايت. فبفضل هذا الأنبوب المفرغ وما تبعه من إنجازات في مجال الإلكترونيات تمكن البشر من التحدث مع بعضهم البعض عبر الهواتف السلكية واللاسلكية رغم تباعد المسافات بينهم ومتابعة كل ما يجري في هذا العالم من أخبار وأحداث من خلال سماع ومشاهدة البث الإذاعي والتلفزيوني الذي ينطلق من آلاف المحطات الموجودة على سطح الأرض أو معلقة في جو السماء. وتمكنوا كذلك من تصنيع الحواسيب التي أحدثت ثورة المعلومات والإنترنت التي لا تقل أهمية عن الثورة الصناعية التي أحدثها اختراع الآلة البخارية. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الصمامات الإلكترونية في تقدم أنظمة الاتصالات والحواسيب والقياس والتحكم إلا أن الثورة التي نشهدها اليوم في مختلف المجالات لم تكن لتتحقق لولا اختراع الترانزستور في عام 1947م. فقد أدى استخدام الترانزستور الذي يتميز على الصمام الإلكتروني بصغر حجمه وبقلة استهلاكه للطاقة الكهربائية وبصلادته إلى تقليص كبير في أحجام الأجهزة والمعدات الإلكترونية وقد تمكن المهندسون من تصنيع أنظمة لم يكن بالإمكان تصنيعها باستخدام الصمامات الإلكترونية كالتلفزيونات الملونة والحواسيب والهواتف الخلوية وأنظمة الأقمار الصناعية. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبه الترانزستور في تقليص أحجام الأجهزة الإلكترونية إلا أن أسلاك التوصيل بين الترانزستورات وبقية القطع الإلكترونية المكونة للدائرة الإلكترونية أصبحت عائقا يحول دون تصنيع أجهزة إلكترونية متطورة وصغيرة الحجم تحتوي على أعداد كبيرة من الترانزستورات كما هو الحال في الحواسيب والتلفزيونات الملونة والهواتف المتنقلة. ولقد تم التغلب على هذه المشكلة بعد أن تمكن المهندسون في نهاية الخمسينات من تصنيع أكثر من ترانزستور مع يلزمها من مقاومات ومكثفات على سطح رقاقة صغيرة من السيلكون وتم توصيل المكونات فيها بشرائط معدنية رقيقة يتم ترسيبها على سطح الرقاقة بما يسمى الدائرة المتكاملة. وفي عام 1961م تنبأ أحد العاملين في مجال تطوير الدوائر المتكاملة وهو المهندس مور مؤسس شركة إنتل التي تعتبر من أكبر شركات إنتاج الدوائر المتكاملة في الولايات المتحدة الأمريكية بأن عدد الترانزستورات على الرقاقة الواحدة سيتضاعف كل ثمانية عشر شهرا. ولقد صدقت توقعاته إلى حد كبير حيث تضاعف عدد الترانزستورات على الرقاقة الواحدة من عشرة ترانزستورات في بداية الستينات إلى ما يزيد عن عشرة ملايين ترانزستور مع نهاية القرن العشرين. إن الوظيفة الأساسية للترانزستور وكذلك سلفه الصمام الإلكتروني هو في إمكانية التحكم بالتيار المار بين طرفين من أطرافه من خلال تيار أو جهد صغير يتم تسليطه على الطرف الثالث. إن هذه الوظيفة البسيطة قد تم استغلالها للقيام بوظائف أكثر تعقيدا وبني على أساسها أجهزة ومعدات بالغة التعقيد تلعب دورا بالغ الأهمية في حياة الناس كأنظمة الاتصالات المختلفة وأنظمة البث الإذاعي والتلفزيوني والحواسيب وشبكات المعلومات وأنظمة التحكم والقياس وفي الأجهزة الطبية وغيرها الكثير. فبدون الترانزستور لا يمكن لجميع هذه الأجهزة والأنظمة أن تعمل بالشكل التي هي عليه ولهذا فقد عد العلماء اختراع الترانزستور كأعظم اختراع في القرن العشرين ولذلك نال مخترعيه في عام 1956م جائزة نوبل تقديرا لجهودهم وتأكيدا على أهمية هذا الاختراع وذلك حتى قبل أن تظهر التطبيقات التي بنيت على أساسه. ولا يوجد حتى الآن أي عنصر إلكتروني يمكنه أن يحل محل الترانزستور في صناعة الإلكترونيات على الرغم من البحث المتواصل لإيجاد بديل عنه. وعلى الرغم من أن اختراع الترانزستور يعد أعظم اختراع في القرن العشرين إلا أن اختراع البطارية وكذلك المولد الكهربائي في مطلع القرن التاسع عشر يفوق اختراع الترانزستور عظمة فالترانزستور لا يمكنه أن يعمل إلا بوجود الكهرباء. وتجري الآن أبحاث في مجال الإلكترونيات الضوئية يعمل الباحثون من خلالها على دراسة إمكانية تصنيع ترانزستور ضوئي يكون الضوء هو الحامل للإشارات بدلا من الإلكترونات مما يعني رفع سرعة معالجة المعلومات بشكل كبير وذلك لأن سرعة انتقال الضوء أعلى منها بكثير من سرعة الإلكترونات.